1 مايو 2024 23:45
حصري نيوز
الحدث وطني

كلمة رئيس الجمهورية في القمة 19 لدول حركة عدم الإنحياز

رئيس الجمهورية

– السيد رئيس حركة عدم الإنحياز،
– أصحاب الفخامة والسمو والـمعالي،
– أصحاب السعادة،
– السيّدات الفضليات والسادة الأفاضل.

يطيب لي في مستـهل كلمتي هاته، أن أتوجه بالشكر الجزيل لجمهورية أوغندا الصديقة حكومةً وشعبًا على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة التي حظينا بـهما منذ حلولنا بـهذا البلد الصديق، وأن أهنئ بشكل خاص أخي يوري موسيفيني (Yoweri MUSEVENI)، رئيس جمهورية أوغندا الشقيقة، على تولي بلاده رئاسة حركتنا للسنوات الثلاث الـمقبلة، متمنيَا له كل التوفيق والسداد في هذه الـمهمة النبيلة، ومؤكدًا دعم الجزائر التام ووقوفها إلى جانب الشقيقة أوغندا خلال هذه الـمرحلة الحاسمة.
كما لا يفوتني في هذا الـمقام، أن أُعرب عن امتناني العميق للسيد إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، على رئاسة بلاده الـمميزة لحركة عدم الانحياز على مدى الأربع سنوات الـماضية، رغم الصعوبات والتحديات غير الـمسبوقة التي فرضتـها جائحة كوفيد – 19 ذات البعد العالـمي.

السيد الرئيس،
السيّدات الفضليات والسادة الأفاضل،

إن انعقاد قمتنا هذه في العاصمة الأوغندية كمبالا، باعتبارها إحدى الـمحطات الفارقة في مسيرة حركة عدم الانحياز، يأتي في ظل سياق دولي وإقليمي متغير ومتشابك، تطبعه تـهديدات وتعقيدات متتالية تحمل في طياتـها مخاطر وتحولات دولية متعددة الأبعاد والـمستويات ستنعكس، بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة، على أمن واستقرار بلداننا وعلى مستقبل منظومة الأمن الجماعي التي ورثناها بعد الحرب العالـمية الثانية.
سياق أعاد للساحة الدولية مشهد الاستقطاب الحاد لصالح قوى دولية على حساب أخرى، وعمَّق من بؤر التوتر، نشهد فيه أعلى مستويات التهديد للسلم والأمن الدوليين ولقيم الإنسانية جمعاء.

هذا السياق يفرض علينا اليوم وأكثر من أي وقت مضى، ضرورة تجديد الالتزام بالـمبادىء التأسيسية لحركتنا القائمة على قيم العدالة واحترام الالتزامات الدولية وسيادة الدول وسلامة أراضيـها، وعدم التدخل في شؤونـها الداخلية، وحماية الـمصالح الـمتبادلة وتعزيز الـمنظومة الـمتعددة الأطراف، كركائز أساسية لبلوغ الأهداف، التي سطرها الآباء الـمؤسسون للحركة، الـمنبثقة عن روح ميثاق منظمة الأمم الـمتحدة ومباديء باندونغ، والـمتسقة مع أهداف التنمية الـمستدامة لأفق 2030.

وهي الـمبادىء التي تكتسي اليوم قيمة متجددة في ظل عودة خيار اللجوء إلى القوة كبديل عن الـمساعي الدبلوماسية في حل النزاعات الدولية، وتآكل منظومة الأمن الجماعي التي تعد الأمم الـمتحدة ركيزتـها الأساسية في ظل عجزها الهيكلي لوضع حد، أو حتى كبح سياسات الأمر الواقع ومحاولات فرض مصلحة القوي على الضعيف، والتعاطي مع القضايا التي هي في صميم انشغالاتنا بترجيح منطق الانتقائية وسياسة الكيل بمكيالين.
ولعل همجية الهجمات الـمتواصلة التي تشنـها آلة الدمار الصهيونية على أرض فلسطين الـمحتلة، وعنهجية الـممارسات اللاإنسانية لجنود الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني العزل من نساء وأطفال ورضع، خاصة بقطاع غزة، في أبشع صور الإرهاب وأقبح مظاهر البطش والتنكيل، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، مثال واضح على إخفاق الـمجتمع الدولي لفرض ضوابط وقيود تنطبق على الجميع دون انتقاء أو تمييز، حيث تضرب إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط وترفض الانصياع لقرارات مجلس الأمن والاستجابة لخيار السلام، دون أن تحاسب على ذلك.

في ظل هذا الوضع الـمأساوي، يتعين علينا جميعًا أن نؤكد، بصوت عال، على أن زمن اللّاعقاب واللّاحساب قد ولى، وأن نتعهد بتكثيف جهودنا الجماعية للمرافعة من أجل إعلاء صوت الحق، وتغليب منطق القانون، وإرساء مبدأ الـمساواة، وتكريس أولوية الاحتكام للضوابط القانونية الـملزمة فوق كل اعتبار، وفق ما نصت عليه مرجعيات الشرعية الدولية والقرارات الأممية التي يفترض أن تكون ملزمة للجميع.
وفي هذا الإطار، تثمن الجزائر تمسك دول حركة عدم الانحياز الدائم بدعم القضية الفلسطينية بوصفها قضية عادلة يرتبط حلها بتجسيد مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وإيمانـهم الثابت بضرورة إنـهاء كافة أشكال الاحتلال وتصفية كل صور الاستعمار، كما ورد في الوثيقة الختامية لهذه القمة.

وبذات العزيمة والثبات، إن مسار حركة عدم الانحياز الحافل بصور التضامن مع الشعوب الـمضطهدة والـمستعمرة التي تجسده عمليا من خلال مواقفها الـمناصرة للقضايا العادلة، يملي عليـها اليوم دعم حق شعب الصحراء الغربية في تقرير الـمصير، وهو الذي سلبت أراضيه وتنـهب ثرواته في تعارض صارخ مع القانون الدولي، وهو أيضا الذي تتعرض قضيته العادلة وتطلعه الـمشروع إلى تنظيم استفتاء حر ونزيه وفقا للشرعية الدولية وقرارات الأمم الـمتحدة ذات الصلة، لـمحاولات الطمس والتغليط، لحرمانه من حقوقه الـمشروعة غير القابلة للتصرف أو التقادم.

السيد الرئيس،
السيّدات الفضليات والسادة الأفاضل،

إن موضوع قمتنا الرّامي إلى ” تعميق أواصر التعاون من أجل ازدهار عالـمي مشترك ” يعد غاية نبيلة في ظل تنامي روح الأنانية والإخلال بالواجبات والتملص من الـمسؤوليات لدى بعض الأطراف الدولية، وزيادة حدة الاستقطاب والانقسام التي من بين تجلياتـها تغليب مصلحة الأقوى على حساب حقوق الأضعف.

وهو واقع يقتضي منا التأكيد على ضرورة تضافر وتنسيق الجهود بين الدول الـمنضوية تحت مظلة حركتنا، وتحديد الـمسؤوليات الـمنوطة بنا ككتلة موحدة من أجل رفع هذه التحديات وبلوغ مقاصدنا الـمشتركة، ولن يتأتى لنا إلا من خلال تعزيز وحدتنا وتموقعنا الاستراتيجي كفاعل نشط يساهم بشكل فعال في بناء منظومة دولية تقوم على منطق الاشراك لا الإقصاء، وتحدد بإنصاف وشفافية الـمسؤوليات والواجبات، منظومة قادرة على فرض الانصياع لقوانينـها وقواعدها على الجميع وعلى قدر من العدالة والـمساواة.
وعلى الـمستوى الإفريقي، تبقى قناعتنا راسخة بوجود علاقة ترابطية بين الأمن والتنمية، خاصة في ظل تنامي حدة ووتيرة الأزمات السياسية والأمنية واتساع نطاقها، واستفحال آفتي الإرهاب والجريمة الـمنظمة وتفاقم بؤر التوتر والصراعات، وتجدد ظاهرة التغييرات غير الدستورية للحكومات، خاصة في منطقة الساحل الصحراوي.

وهذا الوضع لن يثنينا عن أداء واجبنا تجاه قارتنا من أجل تحقيق أهداف التنموية الـمنشودة، ولن تعجزنا العقبات عن بذل الجهود من أجل تأطير عملنا الجماعي لتصحيح واستدراك حالة الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة الإفريقية في تركيبة مجلس الأمن الأممي. على العكس من ذلك، سنعمل بلا هوادة على رفع سقف طموحنا صوب الترجمة الفعلية لـمشروع اندامجنا القاري وتحويل إفريقيا إلى فاعل دولي في مسار تجسيد ” أجندة الاتحاد الإفريقي 2063″، متيقنين من دعم حركتنا لهذه الجهود.

وفي ذات السياق، تكثف الجزائر تعاونـها مع شركائـها الدوليين للتخفيف من وطأة التداعيات التي خلفتـها أزمة الطاقة العالـمية، وذلك عبر مواصلة وتقوية دورها كممون موثوق وذي مصداقية. ومن هذا الـمنطلق، ستحتضن الجزائر في مطلع شهر مارس الـمقبل القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات البلدان الـمصدرة للغاز، وهي تطمح لأن تجعل من هذه القمة محطة مفصلية لتعزيز الحوار والتشاور بين الدول الأعضاء من جهة، وبين الـمصدرين والـمستوردين من جهة أخرى، بـهدف دعم وتطوير صناعة الغاز الطبيعي والتأكيد على الحقوق السيادية الكاملة والدائمة للدول الأعضاء في التخطيط وتطوير واستغلال مواردها من الغاز الطبيعي. كما ستشكل هذه القمة مناسبة متجددة للتأكيد على مكانة الغاز الطبيعي كطاقة نظيفة للحاضر وللمستقبل، تساهم في دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي وحماية البيئة.

السيد الرئيس،
السيّدات الفضليات والسادة الأفاضل،

إن الجزائر التي تشغل ابتداء من مطلع هذا الشهر ولـمدة سنتين متتاليتين مقعدًا غير دائم بمجلس الأمن لـمنظمة الأمم الـمتحدة، تتعهد بالدفاع عن قيم ومبادىء حركة عدم الانحياز على مستوى هذا الصرح الدولي الهام، وهي الـمبادئ التي أثبتت ولا تزال رجاحتـها وفاعليتـها.
في هذا الإطار، ستسعى الجزائر انطلاقًا من خصوصية مسارها التاريخي وقيمها الثابتة ورؤيتـها الـمستقبلية الطموحة إلى تعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف كمبدأ قار في سياستـها الخارجية، وتغليب منطق الحلول السلمية للنزاعات على الـمواجهة، وتفضيل معالجة الأسباب الجذرية للصراعات بدل الاستمرار في مقاربة احتوائـها التي عقدت وأخرت في مسار حلها.

كما تلتزم الجزائر بأن تبقى وفية لـمبادىء حركتنا وأهداف ميثاق الأمم الـمتحدة التي تشكل مرتكزًا لـمواقفها إزاء مختلف التطورات الإقليمية والدولية وتمثل في ذات الحين منبعًا لجهودها ومبادراتها الرّامية للمساهمة في نشر الأمن والاستقرار. وستضم جهودها مع بقية الدول الأعضاء في الحركة لبناء جسور الحوار والتفاهم بين الأطراف الـمختلفة وصياغة التوافقات الضرورية داخل مجلس الأمن الدولي حول القضايا التي تـهم حركتنا لإضفاء فعالية أكبر على الجهود الأممية الرّامية لـمنع نشوب النزاعات، ودعم دور الـمنظمات الدولية الإقليمية الفاعلة، بما فيـها حركة عدم الإنحياز.

وفي الختام، نتطلع لتكثيف التنسيق والتعاون والتضامن في ظل احترام مبادئ حركتنا وكلنا يقين بأن هذه القمة ستسهم في إعادة تعزيز وحدتنا ورص صفنا وتقوية مكانتنا وإسماع صوتنا بما يستجيب وتطلعات شعوبنا، ويتناسب وحجم كتلتنا الـمتجانسة ويساهم في تشكيل الـمعالم الجديدة لنظام دولي جديد يكون حافظا لقيم الإنسانية ومكرسا لـمبادىء ومقاصد ميثاق الأمم الـمتحدة.
كل التـهاني لجمهورية أوغندا على نجاحها في تنظيم هذه القمة، وكل التوفيق لها أيضا في قيادة الحركة في الاستحقاقات والتظاهرات الـمستقبلية.

شكرًا على كرم الإصغاء
والسّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللهِ تَعالى وَبركاتُه.

المقالات دات صلة

شرفي: سجلنا 24 مليون ناخب داخل وخارج الوطن

لينا. خ

رئيس الجمهورية يستقبل وزيرة الخارجية الليبية

حصري نيوز

صدور قانون الاعلام الجديد في الجريدة الرسمية

حصري نيوز

أترك تعليقا